منذ أن أعلن حاكم بورتوريكو أليخاندرو غارسيا باديلا أن ديون بورتوريكو غير قابله للتسديد، أظهرت وسائل الإعلام الرئيسية اهتماما كبيرا بهذا الأرخبيل. العوامل التاله مجتمعتا" (ديون الحكومية بين 70 و 73 بليون دولار, تقلص عدد السكان الى 3.5 مليون مواطن الأمريكي, و تبعيه النظام السياسي) جعلت هذه المنطقه محط اهتمام غير مسبوق. كما جعل معظم الناس يتسألون بحيره كيف حدثت هذه الأزمة الاقتصادية.
هذه الحيرة مبرره اذا اعتبرنا ان بورتوريكو -حسب مفهوم الاغلبيه- هو مقصدا سياحيا رائعا وحسب. على الرغم من أن تاريخ بورتوريكو مع الولايات المتحدة يعود إلى عام 1898 لكن معظم سكان الولايات المتحدة لم يدركوا إلا مؤخرا ان هذا البلد هو حتى موجود. بالنتيجه هنالك صوره منقوصه عن حاله بورتوريكو وعلاقتها بالولايات المتحدة, مما يجعل فهم سبب الأزمة الاقتصادية الحالية واهميتها شبه مستحيل. نحن بحاجة إلى فهم أعمق للمسألة، والطريقة الوحيدة لذلك هي ان نعود الى البداية
المَنشود
في نهاية القرن التاسع عشر، سادت عقلية "القدر الواضح" في الولايات المتحدة، (قدر الامريكين هو التوسع) مما جعل الولايات المتحدة ان تنظر إلى ما وراء حدودها لضم اقاليم جديدة. كانت الولايات المتحدة في حاجة إلى وجود بحري قوي لإنشاء قواعد بحرية في بعض النقاط الاستراتيجية والمعابر المهمة في المحيطات. من تلك المعابر كانت (ما اصبحت لاحقا) قناة بنما, وقناة نيكاراغوا التان اعتُبرتا كالممرات الأساسية بين المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي. كل من القناتان تسمحان للولايات المتحدة بعدم تقسم بحريتها بين سواحل الهادئ و الأطلسي (ناهيك عن الفواءد الاقتصاديه). لكن السيطرة على هذه القنوات لم تكن في حد ذاتها كافية لضمان التواجد الداءم والامحدود في المنطقه؛ فكان من الضروري أيضا السيطرة على المناطق التي ترتبطها بالمعابر المجاورة. بورتوريكو كان جزء ضروري لتحقيق هذا الهدف. في 25 يوليو 1898 (خلال الحرب الأمريكية الإسبانية) غزت الولايات المتحدة بورتوريكو. في نفس العام, و عندما وقِعت معاهدة باريس, جُبرت اسبانيا (المستعمره لبورتوريكو ذلك الوقت) على تسليم بورتوريكو إلى الولايات المتحدة المنتصرة. اصبحت القوة العظمى الجديدة هي المسيطرة على احدى المناطق المرغوب بها كثيرا. اشارالكابتن ألفريد ثايرماهن أهمية بورتوريكو بوضوح عندما كتب في عام 1899
تعتبر بورتوريكو عسكريا بالنسبه لكوبا وقناة إسثميان المستقبلية و سواحلنا على المحيط الهادئ, بمثابت مالطا (أو قد تكون) لمصر وما وراءها؛ وهناك حاجة لنا إلى السيطره بقوه على مجمل المحيط المباشر, كما كان لبريطانيا العظمى الحاجه لأن تحتفظ بجزء آخر من أجل تأمين وجودها في مصر لكي تستفيد من قناة السويس و تسيطر على الطريق إلى الهند.
وبالطبع لم يكن لشعب بورتوريكو أي رأي او قرار في أي من الأحداث التي سردناها و بالخصوص تدخل الولايات المتحدة. تحدد مصير بورتوريكو من خلال الرغبات الاقتصادية والعسكرية للقوى العضمه وأعمالها أحادية الجانب. كان قرار بورتوريكو كقرار التفاحه التي تقطف عن الشجره ان تكون هي التي تقطف وتؤكل. لا للتفاحة قرار في هذه المسألة.
المُستغَل
بعد فترة وجيزة من غزو الولايات المتحدة الناجح في عام 1899، ضرب بورتوريكو إعصار سان سيرياكو. و كان من الأسوأ في تاريخ بورتوريكو، دمر الإعصار حوالي 90 في المائة من محاص القهوة. بعدها بقليل منعت الولايات المتحدة (المستعمر الجديد لبورتوريكو) التداول بجميع العملات البورتوريكية وقررت أن البيزو يساوي ستين سنتا فقط. فبين عشية وضحاها، فقد سكان الأرخبيل 40٪ من أموالهم. و في 4 مارس من العام التالي، سن الكونغرس قانون هولاندر الذي سمح لبورتوريكو أن يكون لها مفوض مقيم في واشنطن دون تصويت، ولكن ايضا فرض على المزارعين المحليين ضرائب إضافية أدت إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الصعب اصلا. استغلت المصارف هذا الوضع على الفور وبدأت بتقديم القروض بفوائد عالية جدا. وأدى ذلك الى عدم قدره المزراعيين عل تسديد القروض و بالتالي إلى استيلاء البنوك على أراضيهم. وبعدها استُخدمت الأراضي لإنتاج قصب السكر، وبذلك تحول بورتوريكو من بلد زراعي متعدد المحاصيل الى بلد زراعي صناعي أحادي المحاصيل. وتم تكرير قصب السكر لصناعهه ماده السكر، وهي سلعة مربحة للغاية:
حل المستثمرون من الولايات المتحدة مكان العديد من المستثمرين الأوروبيين القدامى في الجزيرة. و أُنشأت مصانع السكر الضخمة مثل غوانيكا الوسطى و سكر فاجاردو. الزيادة في أسعار السكر في الأسواق العالمية، فضلا عن استثمار رأس المال، جعل بورتوريكو واحدة من المنتجين الرئيسيين للسكر على الصعيد الدولي. وعلى الرغم من ذلك، فإن صناعة السكر تتطلب عددا كبيرا من العمال الذين تعرضوا إلى ظروف مماثلة لظروف الرق. وهنا نرى بداية نمط من شأنه أن يتكرر إلى هذا يومنا هذا: فالمصالح الرأسمالية الكبيرة تصل من خارج الأرخبيل, تؤسس الأعمال التجارية, وتجني أرباحا ضخمة لا تعود بالفاءده عل شعب بورتوريكو, بل تستغله. وقد تمتع عدد كبير من أصحاب العمل القاطنين خارج بورتوريكو بهذا الشكل من الأعمال, في حين عاشت الطبقة العاملة في بورتوريكو حاله من البؤس. وصف بيلي واليس ديفي صناعة السكر بطريقه جيده عندما كتب في عام 1930:
لم يكن هناك شيء مخيب للآمال أو مخادع لبورتوريكو أكثر من العمل بالسكر. إن النظرة السطحية للإنتاج الهرمي بالأطنان والدولارات جعلته يبدو سلسلة حقيقية من الثروات. الملايين التي كُسبت من السكر أعطت الانطباع الكاذب عن ازدهار بورتوريكو, بيندما الحقيقة أن غالبية سكان الجزيرة في الواقع يغرقون يوما بعد يوم في مزيد من الديون. اصبح هذا الامر واضحا الان. صناعة السكر ليست ملك الاناس المحلين بل ملك الغرباء والرباح ليست للمواطنين ولكن للغرباء. أولئك الذين صنعوا الأرباح لا يستفيدون منها, من يستفيد منها أولئك الذين لم تطء قدمهم بورتوريكو قط. من المعروف الآن أن الأجور، التي بالمجمل كبيرة كبيرة جدا، هي غير كافية باي شكل من الاشال لكسب العيش. حل السكر محل المحاصيل الغذائية من خلال اغتصاب الأراضي الخصبة. و تولت مصالح السكر السلطة التشريعية وشؤون الجزر, وجعلت الناس عاجزين عن اداره شؤنهم. ومع تألق صناعة السكر, ظاهرا, فانها لم تجدي نفعا للشعب البورتوريكي. اثبت اقتصاد السكر انه "الاقتصاد السيئ" لبورتوريكو.
صناعة السكر ليست سوى احدى الأمثلة العديدة عل استغلال المصالح الرأسمالية لبورتوريكو، وكيف حولت البلد الى سلعه للاستغلال إلى ان بات معدما. حتى الشعب في بورتوريكو استُغل لمصالح الرأسمالية الأمريكية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك تعقيم حوالي الثلث من النساء في بورتوريكو من أجل تحفيز النمو الاقتصادي، ومعالجه البطالة خلال فترة الكساد. وقد دعمت أموال من الحكومة الأمريكية وايضا القطاع الخاص هذه العمليه. أصبحت بورتوريكو"شيئا" يستخدم لتحقيق جميع الأهداف الرأسمالية: وهي الربح. يا الاهي كيف تحقق ذلك.
المُستَهلَك
الأزمة الاقتصادية الحالية لبورتوريكو هي نتيجة للسياسات الضريبية التي جعلت من بورتوريكو مكانا مفضل للمستثمرين الأجانب في حين أهملت الاقتصاد المحلي. من أهم القوانين الضريبية في بورتوريكو هو قانون جونز ستافروث لعام 1917. هذا القانون هو المفتاح لفهم أزمة بويرتوريكو الحالية. لماذا؟ بصرف النظر عن إجبار بورتوريكو على استخدام البحرية التجارية الأمريكية لنقل البضائع إلى الولايات المتحدة، تنص المادة 3 من مشروع القانون على أنه يمكن لبورتوريكو أن تصدر سندات معفاة من الضريبه. هذا صحيح: لقد قرر الكونغرس الامركي - وليس بورتوريكو - منذ ما يقرب من مائة عام أنه
أما القانون الأساسي الآخر, الذي يذكر في كثير من الأحيان ولكنه نادرا ما يناقش, فهيه المادة 936 من قانون الإيرادات الداخلية في عام 1976، فإن هذا "الحافز الاقتصادي" جعل الشركات الرأسمالية الأمريكية معفاة من الضرائب الفدراليه على الدخل المكتسب في بورتوريكو. وأصبح هذا القانون حجر الزاوية في اقتصاد بورتوريكو و محفّز كبير جدا للمستثمرين من الولايات المتحدة. كان صفقة جيده جدا للقطاع الخاص: كل ما كان على المستثمرين القيام به هو انشاء شركة تابعة في بورتوريكو بحيث ان الأرباح تمرر الى الشركه الام على انها ارباح معفاه من ضريبه الدخل (كونها من جارج الولايات المتحده) وايضا تخصم من ضريبة الدخل للشركات في بورتوريكو. كما غذت التشريعات المحلية الحوافز الضريبية القويه المتحيزه للمصالح الرأسمالية الخارجية.
كان قانون الضرائب في الولايات المتحدة احد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي لبورتوريكو عبر التاريخ الاقتصادي الحديث. لأكثر من ثمانين عاما، منحت الحكومة الفدراليه مختلف الحوافز الضريبية للشركات الأمريكية العاملة في بورتوريكو، من أجل تحفيز التصنيع في الجزيرة. [...] بالإضافة إلى المادة 936، أعطى قانون الضرائب للشركات بورتوريكو حوافز كبيرة للشركات الأمريكية لانشاء الشركات التابعة في الجزيرة. قانون الضرائب البورتوريكي يسمح لشركة تابعة مملوكة من قبل كيان أجنبي (أكثر من 80٪ أجنبي) ان تخصم 100 ٪ من توزيعات األرباح المدفوعة إلى الشركة الأم من ارباحا المحليه. وعلى هذا النحو، لم يكن لدى الشركات التابعة في بورتوريكو أي التزامات ضريبية على دخل الشركات طالما أن أرباحها توزع كأرباح غير خاضعه للضريبه.
وقد يشير البعض إلى أن الرئيس بيل كلينتون وقع في عام 1996 تشريعات من شأنها أن تلغي تدريجيا المادة 936 بحلول عام 2006، مما يجعل الشركات التابعة في بورتوريكو من الشركات الأمريكية التي تتعرض للضرائب نفسها التي تتحملها أي شركة تابعة أجنبية أخرى. ولكن هنا تكمن إحدى أعظم "المصادفات" في هذا الانهيار الاقتصادي: 2006 يمثل بداية الركود الاقتصادي في الأرخبيل. خلال السنوات العشر الماضية، حيث عانت بورتوريكو من انخفاض مستمر في معدل نموها السنوي للناتج المحلي الإجمالي.
في مواجهة هذه الصورة الاقتصادية القاتمة، ما هي التدابير التي اتُخذت لتجنب حدوث أزمة متزايدة؟ الجواب هو بروميسا (اتش ار 5278 ) الذي في "تطور لذيذ و ساخر" ، هو كلمه وعد بالإسبانية, بروميس. شهدت بورتوريكو سلسلة من السياسات القاسية التي وضعت معظم العبء الاقتصادي على ظهر الشعب منها: تسريح للعمال بشكل هائل، ارتفاع معدلات الفائدة، أعلى ضريبة للمبيعات في كافه الولايات المتحدة، وغيرها.
ولكن بروميسا كان شيئا مميزا. بالإضافة إلى تخفيض الحد الأدنى للأجور للبورتوريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 24 إلى 4.25 $ فقط، فان هذا التشريع انشئ مجلس الرقابة الذي يهيمن على الحكومة البورتوريكية من خلال السماح لهذا المجلس بتجاوز القرارات التي تتخذتها الحكومة البورتوريكية. و الأهم من اي شيء, ان سيكون لهذا المجلس القدرة على هيكلة ديون بورتوريكو، مما يؤثر على حياة الملايين من البورتوريكون دون استشارتهم.
بعباره اخرى ال بروميسا هو جوهر الرأسمالية. فهو يسمح لمجموعة صغيرة من الناس (مجلس الإدارة) أن تقرر مصير بقية الناس؛ مع عدم وجود أي رأي للاغلبيه في عملية صنع القرار أو الحق في انتخاب أعضاء مجلس الإدارة هذا. سيصبح الشعب البورتوريكوي مجرد مشاهد, يشاهد قيمته كانسان وكانها ارقام تنخفض على رسم بياني. وهذا وعد.